الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
1- مقدمة عن حال اليهود عند هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة:
- كان يهود قد انحازوا بعد الاضطهاد الآشوري والروماني إلى الجزيرة العربية؛ فاصطبغوا بالعربية ظاهرًا لمصلحتهم: (وَلَمَّا
جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ
وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا
جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الْكَافِرِينَ) (البقرة:89).
- رغم ذلك فقد كانوا يحتقرون العرب ويفتخرون عليهم: (وَمِنْهُمْ
مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ
عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي
الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ) (آل عمران:75).
- وكانوا مهرة في فنون الكسب والمعيشة، وتجارة الخمور.
- وكانوا سادات في المعاملات الربوية؛ فقد أغروا العرب بالقروض الربوية حتى أعجزوا كثيرًا منهم عن السداد، فاضطروهم إلى بيع أملاكهم وأرضهم لليهود.
- وكانوا سادات في إشعال الحروب بين القبائل العربية؛ حتى لا يجتمع للعرب قوة موحدة يومًا.
- وأما الناحية الدينية فقد كانوا منغلقين على أنفسهم، وجل عملهم السحر والشعوذة، ونحو ذلك..
- كان في يثرب منهم ثلاث قبائل مشهورة(1):
1- بنو قينقاع.
2- بنو النضير.
3- بنو قريظة.
2- عداوتهم للإسلام والمسلمين باطنًا وظاهرًا:
(أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100)، (إِنَّ
شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ
فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال:55-56).
أما باطنًا: فقد كان ذلك في أول مجيء المسلمين، فلم يكونوا يتجاسرون على إظهارها، ومن صور ذلك:
1-
ما رواه ابن إسحاق عن أم المؤمنين صفية بنت حيي -رضي الله عنها- قالت:
"كنت أحَبَّ ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما
إلا أخذاني دونه. قالت: فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة،
ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حيي بن أخطب، وعمى أبو ياسر بن
أخطب مُغَلِّسِين، قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، قالت: فأتيا
كَالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهُوَيْنَى. قالت: فهششت إليهما كما كنت
أصنع، فوالله ما التفت إليَّ واحد منهما، مع ما بهما من الغم. قالت: وسمعت
عمي أبا ياسر، وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله. قال:
أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما
بقيت".
2-
ما رواه ابن إسحاق قال: "مر شاس بن قيس وكان شيخًا يهوديًا قد عسا -كبر-،
عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، فمر على نفر من
أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم،
يتحدثون فيه، فغاظه ما رأي من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على
الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ
بني قَيْلَةَ بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من
قرار، فأمر فتى شاباً من يهود كان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم
اذكر يوم بُعَاث وما كان من قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من
الأشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من
الحيين، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرج إليهم فيمن معه من
أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين، اللهَ اللهَ، أبدعوي
الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به
عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف بين قلوبكم؟! فعرف القوم
أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا، وعانق الرجال من الأوس
والخزرج بعضهم بعضًا".
اليهود.. ناقضو المواثيق والعهود(2):
غدر بني قينقاع:
- غيظهم بعد نصر بدر: (إِنْ
تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ
أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) (التوبة:50).
-
روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما أصاب رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قريشًا يوم بدر، وقدم المدينة جمع اليهود سوق بني قينقاع فقال: يا
معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشًا. قالوا: يا محمد، لا يغرنك
من نفسك أنك قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك لو
قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا؛ فأنزل الله -تعالى-: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران:12).
سبب الغزوة:
-
روى ابن هشام عن ابن عون أن: "امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق
بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت،
فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا
بها، فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديًا، وشدت
اليهود على المسلم فقتلوه؛ فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب
المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع".
- النبي -صلى الله عليه وسلم- سير إليهم بجيش المسلمين، فحاصرهم أشد الحصار خمسة عشرة ليلة.
- ألقى الله في قلوبهم الرعب والخوف، ونزلوا على حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن كتفهم وأنزلهم.
-
زعيم النفاق يتدخل بكل عفو من النبي -صلى الله عليه وسلم- ويلح، ومراعاة
لظروف المدينة يوافق النبي -صلى الله عليه وسلم- على عدم قتلهم، ويأمر
بإجلائهم عن المدينة إلى أعالي الشام.
غدر بني النضير:
(هُوَ
الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ
دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ) (الحشر:2).
- خوف اليهود بعد إخراج بني قينقاع واستكانتهم، فلم يكونوا أهل مواجهة: (لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (الحشر:13).
-
لكنهم بعد وقعة أحد تجرؤوا، تكاشفوا بالعداوة، واتصلوا بالمنافين
والمشركين، وقد ازدادوا جرأة بعد اغتيال طائفة من المسلمين يوم بئر معونة
والرجيع.
-
وقد ظهر ذلك لما جاءهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في نفر من أصحابه -رضي
الله عنهم- وكلمهم أن يعينوه في دية رجلين قتلهما أحد المسلمين خطأ.
- فقالوا: نفعل يا أبا القاسم، اجلس ها هنا حتى تقضى حاجتك، فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم ينتظر وفاءهم.
-
جبريل -عليه السلام- يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكيدة يهود لإلقاء
حجر على النبي -صلى الله عليه وسلم- لقتله، فيقوم النبي -صلى الله عليه
وسلم- راجعًا إلى المدينة.
- النبي -صلى الله عليه وسلم- يبعث إليهم: اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني فيها، وقد أجلتكم عشرًا، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه.
- حاول المنافقون تقوية قلوب اليهود بالاستعداد للمعاونة في حال القتال: (أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ
مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ
لَنَنْصُرَنَّكُمْ) (الحشر:11)؛ فقرر اليهود القتال.
- عند ذلك كبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وخرج إليهم بجيش المسلمين، فتحصن يهود في حصونهم.
-
حاصرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أسبوعًا، وحرق النخل والبساتين التي
كانوا يتحصنون بها، فنزلوا على حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
- وقالوا: نحن نخرج من المدينة، فأنزلهم على أن يخرجوا عنها بنفوسهم وذراريهم وما حملت الإبل إلا السلاح.
غدر بني قريظة:
- كانت بعد الأحزاب إذ تعاونت بنو قريظة مع الأحزاب لضرب المسلمين من الخلف.
-
أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفرًا من أصحابه لتحقيق الخبر، فلما
دنوا منهم وجدوهم على أخبث حال، وقالوا: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين
محمد، ولا عقد.
- اشتد الموقف على المسلمين: الأحزاب من الخارج، والمنافقون بينهم، واليهود من خلفهم.
-
جبريل -عليه السلام- يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- في اليوم الذي رجع
فيه: "أَقَدْ وَضَعْتَ السِّلاحَ؟ وَاللهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلائِكَةُ
بَعْدُ السِّلاحَ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ" (رواه البخاري ومسلم، وأحمد واللفظ له).
- الرسول -صلى الله عليه وسلم- يأمر: (لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ) (رواه البخاري ومسلم).
-
النبي -صلى الله عليه وسلم- يحاصرهم فقذف الله في قلوبهم الرعب، فطلبوا من
النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرسل إليهم أبا لبابة ليستشيروه وكان
حليفًا لهم.
- فشهد ذلهم وصغارهم، إذ قام الرجال إليه وجهش النساء بالبكاء، فرقّ لهم، وقد سألوه عن حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
-
كان باستطاعتهم الصمود، فهم في حصون والمسلمون في العراء والبرد والجوع،
ومع ذلك امتلأت قلوبهم رعبًا، لا سيما وقد قام نفر من أصحاب رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- وتقدموا وصاح علي: "يا كتيبة الإيمان، والله لأذوقن ما
ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم".
- النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر باعتقال الرجال ثم قتلهم وسبي النساء والذرية.
دروس وعبر مما سبق:
- أن اليهود لا عهد لهم ولا ميثاق واتفاق؛ فقد خذلوا الرسل على مر الزمان، وخانوا العهود.
- أن اليهود "بني إسرائيل" خير معاملة معهم "الشدة": (نبي الله موسى -عليه السلام- وشدته، وشدة النبي -صلى الله عليه وسلم- معهم).
- أن المنافقين يوالون الكافرين وعيونهم، وينفذون مخططاتهم في بلاد المسلمين على مر الزمان.
- جبن اليهود وخورهم: (لا
يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ
جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ
شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (الحشر:14)، "أطفال الانتفاضة وجبن اليهود".
- لا يقدر يهود ولا غيرهم على مواجهة جنود الله: (لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (الحشر:13).
- اللقاء حتمي بين المسلمين الصادقين، واليهود الملعونين: (لا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ
فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ
وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا
مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ.. هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ
فَاقْتُلْهُ. إِلا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ) (رواه مسلم).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أبرم معهم معاهدة، ولم يتجه إلى سياسة
الإبعاد والمخاصمة، حيث إنهم لم يظهروا عداوة للمسلمين، ولم يكن لهم مطالب
إلا أن يتركهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على دينهم ووضعهم، فأقر لهم ذلك
لاسيما مع وجود عدو يسبب للمسلمين قلقًا بصفة دائمة وهم مشركو مكة ومَن
وافقهم مِن قبائل العرب؛ فأراد أن يتفرغ لذلك، وقد كان حاكم هذا المجتمع
وصاحب الكلمة فيه.
(2) كان اليهود قبل بدر يعملون بالدسائس والمؤامرات الخفية، فلما كانت بدرًا أظهروا كيدهم.
1- مقدمة عن حال اليهود عند هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة:
- كان يهود قد انحازوا بعد الاضطهاد الآشوري والروماني إلى الجزيرة العربية؛ فاصطبغوا بالعربية ظاهرًا لمصلحتهم: (وَلَمَّا
جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ
وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا
جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الْكَافِرِينَ) (البقرة:89).
- رغم ذلك فقد كانوا يحتقرون العرب ويفتخرون عليهم: (وَمِنْهُمْ
مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ
عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي
الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ) (آل عمران:75).
- وكانوا مهرة في فنون الكسب والمعيشة، وتجارة الخمور.
- وكانوا سادات في المعاملات الربوية؛ فقد أغروا العرب بالقروض الربوية حتى أعجزوا كثيرًا منهم عن السداد، فاضطروهم إلى بيع أملاكهم وأرضهم لليهود.
- وكانوا سادات في إشعال الحروب بين القبائل العربية؛ حتى لا يجتمع للعرب قوة موحدة يومًا.
- وأما الناحية الدينية فقد كانوا منغلقين على أنفسهم، وجل عملهم السحر والشعوذة، ونحو ذلك..
- كان في يثرب منهم ثلاث قبائل مشهورة(1):
1- بنو قينقاع.
2- بنو النضير.
3- بنو قريظة.
2- عداوتهم للإسلام والمسلمين باطنًا وظاهرًا:
(أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100)، (إِنَّ
شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ
فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال:55-56).
أما باطنًا: فقد كان ذلك في أول مجيء المسلمين، فلم يكونوا يتجاسرون على إظهارها، ومن صور ذلك:
1-
ما رواه ابن إسحاق عن أم المؤمنين صفية بنت حيي -رضي الله عنها- قالت:
"كنت أحَبَّ ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما
إلا أخذاني دونه. قالت: فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة،
ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حيي بن أخطب، وعمى أبو ياسر بن
أخطب مُغَلِّسِين، قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، قالت: فأتيا
كَالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهُوَيْنَى. قالت: فهششت إليهما كما كنت
أصنع، فوالله ما التفت إليَّ واحد منهما، مع ما بهما من الغم. قالت: وسمعت
عمي أبا ياسر، وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله. قال:
أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما
بقيت".
2-
ما رواه ابن إسحاق قال: "مر شاس بن قيس وكان شيخًا يهوديًا قد عسا -كبر-،
عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، فمر على نفر من
أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم،
يتحدثون فيه، فغاظه ما رأي من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على
الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ
بني قَيْلَةَ بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من
قرار، فأمر فتى شاباً من يهود كان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم
اذكر يوم بُعَاث وما كان من قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من
الأشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من
الحيين، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرج إليهم فيمن معه من
أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين، اللهَ اللهَ، أبدعوي
الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به
عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف بين قلوبكم؟! فعرف القوم
أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا، وعانق الرجال من الأوس
والخزرج بعضهم بعضًا".
اليهود.. ناقضو المواثيق والعهود(2):
غدر بني قينقاع:
- غيظهم بعد نصر بدر: (إِنْ
تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ
أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) (التوبة:50).
-
روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما أصاب رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قريشًا يوم بدر، وقدم المدينة جمع اليهود سوق بني قينقاع فقال: يا
معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشًا. قالوا: يا محمد، لا يغرنك
من نفسك أنك قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك لو
قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا؛ فأنزل الله -تعالى-: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران:12).
سبب الغزوة:
-
روى ابن هشام عن ابن عون أن: "امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق
بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت،
فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا
بها، فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديًا، وشدت
اليهود على المسلم فقتلوه؛ فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب
المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع".
- النبي -صلى الله عليه وسلم- سير إليهم بجيش المسلمين، فحاصرهم أشد الحصار خمسة عشرة ليلة.
- ألقى الله في قلوبهم الرعب والخوف، ونزلوا على حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن كتفهم وأنزلهم.
-
زعيم النفاق يتدخل بكل عفو من النبي -صلى الله عليه وسلم- ويلح، ومراعاة
لظروف المدينة يوافق النبي -صلى الله عليه وسلم- على عدم قتلهم، ويأمر
بإجلائهم عن المدينة إلى أعالي الشام.
غدر بني النضير:
(هُوَ
الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ
دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ) (الحشر:2).
- خوف اليهود بعد إخراج بني قينقاع واستكانتهم، فلم يكونوا أهل مواجهة: (لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (الحشر:13).
-
لكنهم بعد وقعة أحد تجرؤوا، تكاشفوا بالعداوة، واتصلوا بالمنافين
والمشركين، وقد ازدادوا جرأة بعد اغتيال طائفة من المسلمين يوم بئر معونة
والرجيع.
-
وقد ظهر ذلك لما جاءهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في نفر من أصحابه -رضي
الله عنهم- وكلمهم أن يعينوه في دية رجلين قتلهما أحد المسلمين خطأ.
- فقالوا: نفعل يا أبا القاسم، اجلس ها هنا حتى تقضى حاجتك، فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم ينتظر وفاءهم.
-
جبريل -عليه السلام- يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكيدة يهود لإلقاء
حجر على النبي -صلى الله عليه وسلم- لقتله، فيقوم النبي -صلى الله عليه
وسلم- راجعًا إلى المدينة.
- النبي -صلى الله عليه وسلم- يبعث إليهم: اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني فيها، وقد أجلتكم عشرًا، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه.
- حاول المنافقون تقوية قلوب اليهود بالاستعداد للمعاونة في حال القتال: (أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ
مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ
لَنَنْصُرَنَّكُمْ) (الحشر:11)؛ فقرر اليهود القتال.
- عند ذلك كبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وخرج إليهم بجيش المسلمين، فتحصن يهود في حصونهم.
-
حاصرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أسبوعًا، وحرق النخل والبساتين التي
كانوا يتحصنون بها، فنزلوا على حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
- وقالوا: نحن نخرج من المدينة، فأنزلهم على أن يخرجوا عنها بنفوسهم وذراريهم وما حملت الإبل إلا السلاح.
غدر بني قريظة:
- كانت بعد الأحزاب إذ تعاونت بنو قريظة مع الأحزاب لضرب المسلمين من الخلف.
-
أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفرًا من أصحابه لتحقيق الخبر، فلما
دنوا منهم وجدوهم على أخبث حال، وقالوا: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين
محمد، ولا عقد.
- اشتد الموقف على المسلمين: الأحزاب من الخارج، والمنافقون بينهم، واليهود من خلفهم.
-
جبريل -عليه السلام- يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- في اليوم الذي رجع
فيه: "أَقَدْ وَضَعْتَ السِّلاحَ؟ وَاللهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلائِكَةُ
بَعْدُ السِّلاحَ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ" (رواه البخاري ومسلم، وأحمد واللفظ له).
- الرسول -صلى الله عليه وسلم- يأمر: (لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ) (رواه البخاري ومسلم).
-
النبي -صلى الله عليه وسلم- يحاصرهم فقذف الله في قلوبهم الرعب، فطلبوا من
النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرسل إليهم أبا لبابة ليستشيروه وكان
حليفًا لهم.
- فشهد ذلهم وصغارهم، إذ قام الرجال إليه وجهش النساء بالبكاء، فرقّ لهم، وقد سألوه عن حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
-
كان باستطاعتهم الصمود، فهم في حصون والمسلمون في العراء والبرد والجوع،
ومع ذلك امتلأت قلوبهم رعبًا، لا سيما وقد قام نفر من أصحاب رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- وتقدموا وصاح علي: "يا كتيبة الإيمان، والله لأذوقن ما
ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم".
- النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر باعتقال الرجال ثم قتلهم وسبي النساء والذرية.
دروس وعبر مما سبق:
- أن اليهود لا عهد لهم ولا ميثاق واتفاق؛ فقد خذلوا الرسل على مر الزمان، وخانوا العهود.
- أن اليهود "بني إسرائيل" خير معاملة معهم "الشدة": (نبي الله موسى -عليه السلام- وشدته، وشدة النبي -صلى الله عليه وسلم- معهم).
- أن المنافقين يوالون الكافرين وعيونهم، وينفذون مخططاتهم في بلاد المسلمين على مر الزمان.
- جبن اليهود وخورهم: (لا
يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ
جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ
شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (الحشر:14)، "أطفال الانتفاضة وجبن اليهود".
- لا يقدر يهود ولا غيرهم على مواجهة جنود الله: (لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (الحشر:13).
- اللقاء حتمي بين المسلمين الصادقين، واليهود الملعونين: (لا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ
فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ
وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا
مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ.. هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ
فَاقْتُلْهُ. إِلا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ) (رواه مسلم).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أبرم معهم معاهدة، ولم يتجه إلى سياسة
الإبعاد والمخاصمة، حيث إنهم لم يظهروا عداوة للمسلمين، ولم يكن لهم مطالب
إلا أن يتركهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على دينهم ووضعهم، فأقر لهم ذلك
لاسيما مع وجود عدو يسبب للمسلمين قلقًا بصفة دائمة وهم مشركو مكة ومَن
وافقهم مِن قبائل العرب؛ فأراد أن يتفرغ لذلك، وقد كان حاكم هذا المجتمع
وصاحب الكلمة فيه.
(2) كان اليهود قبل بدر يعملون بالدسائس والمؤامرات الخفية، فلما كانت بدرًا أظهروا كيدهم.